عبد الجبار العتابي من بغداد: كانت قاعة الفنان الراحل حقي الشبلي في كلية الفنون الجميلة / جامعة بغداد تشهد حضورًا غير إعتيادي، للفنانين والطلبة والاساتذة، والمساحة المؤدية إليها تزدهي بمعرض للصور الفوتوغرافية والالوان والبوسترات، وكان ذلك يوم افتتاح المهرجان السينمائي لقسم الفنون السمعية والمرئية الثالث والعشرين، كانت الكاميرات تتحرك بأشكالها المحتلفة فاتحة عدساتها لتنشر لقطاتها على قطعة قماش بيضاء كبيرة وسط حشد غصت به القاعة، حيث تعرض الافلام تباعًا على مدى ثلاثة ايام ترافقها جلسات نقدية وحوارية، افلام روائية وتسجيلية قصيرة، ولا بد ان ينتابك الفضول لترى ما يفعله هؤلاء الطلاب من طموحات للسينما وسط غيابها الواضح عن المشهد العراقي منذ سنوات تقترب من اعمارهم، وشاهدت بعض ما عرض، لم اصدق حقيقة ما ارى، فالمعاناة واضحة جدا في انتاج فيلم قصير، تظهر ملامحه معبرة عن رغبة جامحة في التواصل وتحقيق حلم طالما كان غائبًا ومصادرًا.
يقول الدكتور صباح الموسوي رئيس القسم : يأتي المهرجان ليحمل في طياته روح التحدي والاصرار والعزم على مواصلة الحياة وديمومتها من خلال اختراقه لحاجز الخوف ولكل الظروف الشائكة والمعقدة التي تحدثفي حياة الانسان العراقي اليومية التي تهدد، ليس على مستوى الجسد بل على مستوى الفكر والابداع والعطاء، المهرجان.. اضافة حقيقية لتراث القسم الثقافي والعلمي والذي تواصل على مدى هذه السنين، كما اكد انه يشكل اضافة حقيقية إلى المشهد الثقافي العراقي عمومًا من خلال ما افرزه من اعمال ترتقي الى مستوى الابداع من حيث اتقان الجانب التقني وتوظيفه في خدمة الموضوع اضافة الى الرؤية الفنية لمعالجة تلك الموضوعات بحيث استطاعت ان تخلق حالة من التأثير العاطفي للمتلقي، واضاف الموسوي : التميز لهذا المهرجان كان فيما يتعلق بالانتاج، حيث عدد الافلام والمستوى الجيد ثانيًا تميز بأن اقيم على هامشه معرض للصور الفوتوغرافية لطلبة الصف الاول، والتميز الثالث اننا في هذا العام سمحنا لطلبة الصفوف غير المنتهية بإنتاج اعمال واستطاعوا ان يحققوا خمسة اعمال ذات مستوى فني جيد لتعرض ضمن برنامج المهرجان، والتميز الرابع كان على مستوى التنظيم والاعداد حيث توفرت امكاناتهما من خلال بيت الحكمة ورعايته لجميع الفعاليات، واستطرد الموسوي زهو يجيبني على سؤال علاقة المهرجان وفاعليته بالنسبة إلى السينما العراقية، فقال : هو خط التواصل بين ما انتجته السينما العراقية عبر الماضي والحاضر والمستقبل، القسم استطاع ان ينتج الاعمال القصيرة والتلفزيونية، على الرغم من السنوات العجاف التي عصفت بالبلد وكادت تمحو الهوية الثقافية والسينما تحديدًا، ولولا وجود هذا الكم من المتخرجين والذين لهم مشاريع ابداع وعطاء واستطاعوا ان يتواصلوا في عطائهم من خلال عملهم في القنوات الفضائية والمؤسسات الفنية. كان الطلاب فرحين بإنتاجاتهم التي عبرت عن مواهبهم ومعاناتهم، كنت اشاهد الافلام وابدي اعجابي بها، وأجد انها صورت في اماكن يختارها الطالب بعيدة عن المغامرة مثلا، لكنني حين كنت اشاهد فيلم (تراتيل حزينة) استفزني المكان الصحراوي القاحل، فلم اتمالك نفسي لابحث عن الطالب مخرج العمل واسأله، يقول اريان محمد شيرخان : صورت فيلمي الذي مدته احدى عشرة دقيقة في كربلاء والنجف في مناطق صحراوية، عانيت كثيرا حتى انني اضطررت الى ان الغي مشهدا كاملا بسبب عدم توفر مادة (البلاستو)، وجدت صعوبة في المكياج المناسب وفي العمل بصحراء في ظل ظروف امنية معروفة، لكنني قلت يجب ان انجح، لا بد ان نبادر من اجل ان تستمر الحياة ولابد ان نعمل ونذهب الى اي مكان ويجب ان تكون لدينا رغبة اكيدة في العمل السينمائي، واضاف اريان : نحن الشباب نحاول ان نعيد للسينما العراقية حركتها، لكل مرحلة جيل، ويجب ان نستمر وألا نتوقف، انا اطمح الى ان اكون مخرجًا سينمائيًا ولدي رغبة ان اعمل في هوليوود، وان نطلع على نتاجات الدول ويجب ان يطلعوا علينا.
يقول الدكتور علي صباح رئيس اللجنة التحضيرية للمهرجان : انه مهرجان سنوي لاعمال طلبة المرحلة الرابعة المطبقين باشراف الاساتذة ابتداء من الفكرة وانتهاء بالمعالجة الاخراجية والمنجز المرئي النهائي، الافكار متاحة للطلبة مع الحفاظ على الاداب والتقاليد، يشارك في المهرجان عشرون عملا من طلبة المرحلة الرابعة وعشرة اعمال على هامش المهرجان لطلبة المرحلة الثالثة والثانية والاولى، وقسم منهم شارك في مهرجان الخليج والجزيرة وحاز على جوائز، واضاف : هذا المهرجان يمثل شيئا مهما للسينما العراقية، انه اضواء للمستقبل بوجود مخرج وكاتب وسيناريست ومصور ومونتير مؤهلين لرفد المؤسسات الاعلامية والفضائيات، ولو لا فسم السمعية والمرئية لتوقفت عجلة الانتاج الفني والسينمائي مع توقف انتاج السينما العراقية من دائرة السينما والمسرح.
الحركة الدائبة منحت المكان زهوًا جميلاً لا سيما ان العديد من الفنانين حضروا وشاركوا في الجلسات النقدية التي كان فيها الثناء عاليًا على قدرة الطلبة ومستويات افلامهم المتفاوتة الافكار، كان المديح واضحًا مغلفًا بالامل لهؤلاء الشباب الطامحين الى فتح افاق جديدة للسينما العراقية وانطلاقتها.
يقول ماجد الربيعي عضو اللجنة التحضيرية : ان الافلام المقدمة في المهرجان تنبئ عن رؤية صحيحة ووجود وعي سينمائي لدى الجيل الجديد تمثل بتوظيف مميز لعناصر اللغة السينمائية في معالجاتهم الاخراجية بحيث ان هناك اعمالا استخدمت فيها هذه العناصر بكيفيات واليات حققت للفيلم فضاء جديدًا استطاع ان يحرك من خلاله المخرج موجوداته داخل اللقطة من مرئيات وكتل وحجوم للموضوع او لشخصيات فضلا عن التجسير مع الهندسة الاشارية والمنظومة العلامية للمدرسة التفكيكية واستخدامها داخل بنية الفيلم من خلال ما تمثله هذه المدرسة من اشارات وعلامات ورموز ذات طاقة اشتغال عالية توسع افق التلقي لدى المتلقي وتدفعه لاستنطاق مفردات الخطاب المرئي مكونًا خطًا جديدًا عن طريق الاحالات التي استمدها من خلال مرجعياته الفكرية والاجتماعية.
لا اجد الا ان احيي هؤلاء الشباب في عزمهم وتحديدهم وطموحاتهم واحيي اساتذتهم الذين يبذلون جهودًا واضحة من اجل ان يكسر هؤلاء حواجز الخوف. يذكر ان حفل توزيع الجوائز سيقام على قاعة الزوراء في فندق الرشيد صباح اليوم الخميس
ايلاف